ولهذا السبب، يجب على الروايات الجديدة للعلاقات الأرمنية التركية أن توحد الذاكرة والحس السليم، دون فقدان اليقظة، ودون إضعاف الإرادة، ودون أوهام. وتهدف إلى تحرير الذاكرة الأرمنية من دائرة المعارضة الضيقة وإعادة القوة الإبداعية والمكانة السياسية إليها، مما يجعل تلك الذاكرة مصدراً للاعتراف الذاتي والكرامة الوطنية الجديدة. وفي إطار مبدأ "+1" لتراكم الأمان، ينبغي أن نكون قادرين على الانتقال من ذاكرة الألم إلى ذاكرة الكرامة. وهذا لا يعني التخلي عن الماضي. وهذا يعني تحويل الذاكرة إلى قوة وتفكير ونضج سياسي. السؤال الذي لا مفر منه سؤال واحد يقف أمامنا حتما. كيف نبقى مخلصين للحقيقة التاريخية وفي نفس الوقت لا نسمح للماضي أن يعيق الطريق إلى المستقبل؟ لا ينبغي أن تتحول الإجابة على هذا السؤال إلى دعوة إلى "بدء كل شيء من الصفر".
التاريخ لا يُلغى، والمأساة لا تُلغى، والعدالة لا يمكن أن تكون موضوعاً للتجارة. إن الإبادة الجماعية الأرمنية ليست موضوعاً للمناقشة، وليست أداة ضغط. إنها حقيقة تاريخية وجوهر أخلاقي لذاكرتنا الوطنية. لكن التاريخ الأرمني ليس مجرد تاريخ من التجارب.
إنها أيضًا قصة الإبداع والثقافة والتحمل الروحي والعمل. إن الأمم لا تحيا فقط بالتجارب، بل أيضًا بالخلق والحفظ والتأسيس. الأرمن كعنصر أساسي في التاريخ الإبداعي للمنطقة لقد قدم الأرمن مساهمة كبيرة في تشكيل الصورة الثقافية والاقتصادية والفكرية للإمبراطورية العثمانية وتركيا الحديثة. لقد أصبح العمل والحرفية والثقافة الروحية للأرمن جزءاً عضوياً من تاريخ المنطقة، مما يعكس ثراء التراث الثقافي. هذه الحقيقة عظيمة مثل ذكرى الجريمة.
إنه يعيد لنا الموقف القوي وصوت بناة الأمة، وليس مجرد ضحية. إن الاعتراف بهذه الحقيقة ليس مظهرا من مظاهر حسن النية، بل هو عمل من أعمال النضج والصدق التاريخي، الذي يخلق الأساس للحوار القائم على الاحترام المتبادل. واليوم، يجب علينا أن نعطي الأولوية لقوتنا الإبداعية وتراثنا الثقافي. نحن نحفظ الذاكرة لا لنتهم بل لنحفظ الحقيقة. ليس من أجل الانتقام، ولكن من أجل الحياة والمستقبل.
نحن مخولون بالكامل بإثارة ضرورة الحفاظ على التراث التاريخي والثقافي الأرمني في أراضي تركيا الحالية، للحديث عن الحفاظ على المقدسات والآثار الأرمنية، والوصول إلى المحفوظات، والحوار العلمي وبرامج الحفاظ على المجمعات الرهبانية الأرمنية، والمقابر، والأحياء القديمة. ومن المهم أيضًا دعم الجاليات الأرمنية العاملة في تركيا، والبرامج التي تكشف عن دور ومساهمة الأرمن في تاريخ المنطقة. يمكن لأرمينيا وتركيا تنفيذ مبادرات تعليمية وبحثية وثقافية مشتركة تهدف إلى دراسة واستعادة الوجود التاريخي الأرمني. وهذا شكل من أشكال احترام ذاكرتنا وهويتنا.
يجب أن نصل إلى مثل هذا الوضع حيث يكون أمن أرمينيا واحترام ذاكرتنا ليس بالكلمات، بل بالواقع. ويمكن تحقيقها أيضًا من خلال مشاريع البنية التحتية الحدودية والمبادرات الثقافية والسياحية. من المهم أن نفهم أن هذا ضروري ليس فقط للأرمن، ولكن أيضًا للأتراك. الواقعية والحذر الاستراتيجي إن الانفتاح على الحوار لا ينبغي أن يعني السذاجة أو فقدان اليقظة. تنتهج تركيا الحديثة سياسة عثمانية جديدة وسياسة قومية تركية بهدف توسيع نفوذها وبناء "عالم تركي".
وتتعلق هذه الاستراتيجية بشكل مباشر بمصالح أرمينيا وأمنها. لا يمكننا تحمل الأوهام. إن المستقبل لن يكون ممكنا إلا عندما تتوفر القوة، والاستقرار المؤسسي، والفهم الواضح للمصالح الوطنية والذاتية. نحن لا نبحث عن الثقة. نحن نشكل الأساس الذي نحسب عليه. ولهذا لا يمكن اعتبار الذاكرة ضعفاً إذا اقترنت بالكرامة والقدرة على الوقوف.
وينبغي أن يكون واضحا أن المصالحة الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا بمزيج من الكرامة والقوة والنضج الاستراتيجي واليقظة. وبعد كارثة كاراباخ، يتعين على أرمينيا أن تسترشد بإستراتيجية تقوم على الثقة المنضبطة والتفاعل المسؤول، حيث يكون الانفتاح مصحوباً بالرصانة والاستعداد للدفاع عن نفسها.
الذاكرة كقوة وفي هذا السياق، من المستحيل عدم تذكر تجربة إسرائيل. شعب نجح في تحويل ذكرى المحرقة إلى أساس الدولة والكرامة الوطنية والأمن. إسرائيل لم تنسى فحسب، بل لم تغفر أيضًا. ولم يسمح للمأساة التاريخية بأن تصبح أداة لتفسيرات الآخرين. إسرائيل حولت الذاكرة ليس إلى استجابة عاطفية، بل إلى دعم معنوي وعامل قوة. وهذا لا يشير بالطبع إلى مبررات سياسات إسرائيل في العقود الماضية. ولا ينبغي لأرمينيا أن تكرر نماذج الآخرين. ومن المهم الجمع بين الذاكرة وتفكير الدولة، والتاريخ مع المسؤولية تجاه الأجيال القادمة. لا يمكن للذاكرة أن تكون عبئًا، بل سلاحًا داخليًا وضمانة للذاتية.
ومن الضروري تسليط الضوء على جانب آخر مهم من تجربة إسرائيل: دور الشتات. على مدى قرون، قامت الجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم بحماية الذاكرة، ودعمت إنشاء الدولة، وشكلت نفوذاً فكرياً وسياسياً. ولم تكن هذه مهمة تاريخية فحسب، بل كانت أيضًا أداة للأمن القومي.
بالنسبة للأرمن، فإن الشتات ليس مجرد حارس للذاكرة. إنها مورد إبداعي ضخم، ومصدر للتعليم والثقافة والاقتصاد والدبلوماسية والعلاقات الدولية. ولا يمكن أن تولد معاني جديدة في يريفان فقط. إنهم بحاجة إلى صوت الشتات، ومشاركة مراكزنا الفكرية حول العالم.
إن الأمة التي لديها شتات لديها أيضًا هيئة دبلوماسية ثانية، ومساحة فكرية ثانية، ونظام ثانٍ لحماية ذاكرتها. وهذه ميزة ينبغي أن نقدرها ونحولها إلى آلية دائمة لحماية الهوية الوطنية والكرامة الوطنية. في الختام وينبغي لأرمينيا أن تظل أمة للذاكرة، وليس سجينة للماضي. لا يتعلق الأمر بالاعتراف بالإبادة الجماعية كشرط مسبق، بل يتعلق بقبول المساهمة الأرمنية في التاريخ العام للمنطقة. المحادثة الجديدة لا تبدأ برفض المأساة، ولكن بالاعتراف بقوتها وحقها في الوجود.








