صحيفة "الحقيقة" تكتب:
وحتى قبل الانتخابات التي جرت في جورجيا في 26 تشرين الأول/أكتوبر، كان من المتوقع أن يكون لها تأثير حاسم على العمليات الإقليمية، خاصة وأن الوضع هش للغاية قد نشأ في جنوب القوقاز. ففي نهاية المطاف، فاز "الحلم الجورجي" بالانتخابات البرلمانية للمرة الرابعة منذ عام 2012، حيث حصل على أكثر من 54% من الأصوات. ولماذا كانت هذه الانتخابات مهمة بشكل خاص؟ المشكلة هي أن جورجيا تمكنت منذ بداية الحرب الأوكرانية من تجنب أن تكون في بؤرة الصراع بين مصالح الغرب وروسيا، في حال بذلت محاولات عديدة لإقحام جورجيا في الحرب ضد روسيا. ومهما بذل الغرب من جهود لإخضاع جورجيا لسيطرته الكاملة، من أجل استخدامها لمهاجمة روسيا، فإن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح نتيجة للسياسة التي اتبعتها السلطات الجورجية. وفي الوقت نفسه، لن تقطع جورجيا علاقاتها مع الغرب وأوروبا. وتعلن السلطات الجورجية أنها ترى بلادها في نظام التكامل الأوروبي، في إطار عضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن في وضع سيادي، وليس في وضع تابع. وفي هذه الحالة فقد فتحت الظروف الاقتصادية المواتية أيضاً أمام جورجيا، وذلك لأن ذلك البلد، على الرغم من التهديدات بفرض عقوبات من جانب الغرب، ما زال يتعاون اقتصادياً مع الشركاء الغربيين ومع روسيا، مسجلاً نمواً اقتصادياً مرتفعاً إلى حد كبير. وليس سراً أن التعاون مع جارتها روسيا يجلب فوائد اقتصادية هائلة لجورجيا. وإذا انتهجت جورجيا فجأة سياسة غير متوازنة، ودخلت على سبيل المثال في حرب ضد روسيا، فإن الاقتصاد الجورجي سيتلقى ضربة قوية، وسيظل معتمداً على المساعدة من الغرب. ولذلك، أعطى غالبية الناخبين في جورجيا أصواتهم للفريق السياسي الذي ينتهج سياسة متوازنة. وفي الواقع، هُزمت القوى الموالية للغرب التي تخدم الخط السياسي للرئيس السابق ساكاشفيلي، والتي كانت تتظاهر قبل الانتخابات بأنها ستفوز بالاقتحام. صحيح أن رئيس المجلس الأوروبي دعا لجنة الانتخابات المركزية في جورجيا إلى التحقيق في انتهاكات الانتخابات البرلمانية، إلا أن التحقيق في هذه الانتهاكات لا يمكن أن يكون له دور كبير في نتائج الانتخابات، لأن "الحلم الجورجي" فاز بها هامش كبير. لكن أحزاب المعارضة لا توافق على النتائج المسجلة وهزيمتها، ولهذا أعلنت أنها لا تعترف بنتائج الانتخابات ولن تشارك في أعمال البرلمان المنتخب حديثا. ولا تعترف نتائج الانتخابات بمثل هذه القوى السياسية المعارضة، التي إما حصلت بالكاد على 10% من الأصوات، أو لم تحصل حتى على تلك الـ10%. وبلغت نسبة أصوات قوى المعارضة 37 بالمئة فقط. وبعبارة أخرى، من الواضح أنه ليس لديهم أي فرصة. ومن ناحية أخرى، تأمل المعارضة "الغربية" الجورجية أن تتمكن، نتيجة الدعم الكبير من الغرب، من تغيير الأجواء في البلاد بطريقة أخرى، من خلال إثارة الاحتجاجات والخلافات. وتؤكد السلطات أن محاولات إثارة الخلافات ستلقى ردا قاسيا. لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن مواقف المعارضة الجورجية قد تضعف بشكل كبير في المستقبل القريب، خاصة عندما نعتبر أن دونالد ترامب من المرجح أن يفوز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل. ويتمتع فريق ترامب بخبرة التعاون مع قوى سياسية ذات موقف سياسي أكثر تحفظا، والقوى الليبرالية تعمل ضده. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت سنوات رئاسته أنه يركز بشكل أكبر على القضايا الأميركية الداخلية، وخاصة مكافحة الهجرة غير الشرعية، والتحفيز الاقتصادي، وما إلى ذلك، بدلاً من التركيز على توسيع نفوذ الولايات المتحدة في العالم الخارجي. والسياسة الخارجية الانعزالية للولايات المتحدة ستعني أن مواقف الغرب في جنوب القوقاز سوف تضعف، لأن أوروبا غير قادرة على ضمان توسيع نفوذها دون الدعم النشط من الولايات المتحدة. وهذا بدوره يعني ضمناً أن موقف روسيا في المنطقة سوف يتعزز. لذلك، إذا أخذنا في الاعتبار أن جورجيا تتعاون مع روسيا، وأن أذربيجان قد وضعت نفسها في الصف المؤيد لروسيا، فإن هذا الوضع سيكون حاسماً من حيث توجه أرمينيا. وبما أن تركيا تنوي ترسيخ وجودها في جنوب القوقاز من خلال دعم أذربيجان، فإن موقف أرمينيا يمكن أن يلعب دوراً رئيسياً بالنسبة لروسيا فيما يتعلق بمواجهة خطط أنقرة القومية.
آرثر كارابيتيان